سعيدة.. مدينة زمان نهاية

سعيدة.. مدينة زمان نهاية

الموضوع : اتجاهـات بجريدة صوت الأحرار
فإن سعيدة كانت، ولا تزال، كأنما مصابة بلعنة صغيرة تعاود النزول على رأسها غير ما مرة، من غير أن تعرف أسبابها، إن لم تكن الحماقة الإنسانية وقصر النظر، وهي المدينة التي كانت مشتهاة في الغرب الجزائري كله، لتجد نفسها فجأة وفي غضون سنين قليلة بلا مجد ولا ذكر. والحاصل هو سؤال: من أراد لها أن تؤول إلى ما ألت إليه من تقهقر وتشوه؟

فإنه كان، إلى وقت غير بعيد، لا يمكن الحديث مثلا عن المسرح من دون استعادة تاريخ مأثرة المسرح الهاوي وفرقه التي طبعت بعملها وإبداعها ونضاليتها، ولمدة تزيد على العقدين، الحياة الفنية في سعيدة وغطت بحضورها على بقية الفنون الأخرى.

أما في السينما فإن الشغوفين بهذا الفن من أبناء سعيدة يتذكرون أن جميع الأفلام الجزائرية تقريبا، الطويلة منها والقصيرة، وحتى تلك التي كانت الرقابة مفروضة عليها لأسباب سياسية، كانت تعرض أمام جمهور كان يعرف وقتها نادي السينما ويرتاده، والذي كان المختص السينمائي السيد بجاوي ينشط حصصه أحيانا، في قاعة سينما ،،فوكس،، سابقا والمغلقة الآن على حال من التردي برغم إعادة تهيئتها التي لم يطلع يوما أحد على نتائجها؛ مثلها مثل قاعة ،،بالاس،، سابقا.

كان لسعيدة ذاك الحظ، الذي لم تسعد به مدن جزائرية أخرى، أن ترى وتعرف عن قرب وتحضن سينمائيين جزائريين أكثر تكرسا وشهرة، من أمثال: لعسكري، شويخ، مدور، بابا عيسى، راشدي، علواش، ليدو، وحجاج بلقاسم ـ وهو أحد أبنائها مولدا ونشأة. ونظرا إلى مقدرتهم الفنية، فإن كثيرا من ممثلي المسرح الهاوي في المدينة أدوا أدوارا سينمائية وتلفزيونية تحت قيادة المخرجين علواش وبابا عيسى.

وفي الفنون التشكيلية الجزائرية المعاصرة، كانت سعيدة تحتفي بأكبر الرسامين من خلال معارضهم الكاملة من أمثال خدة ومارتيناز وسيلام وغيرهم، من غير إغفال أكبر فنان كاريكاتوري اسمه عراب.

فمن ذلك كان هذا الحماس الكبير الذي تميزت به مجموعة من الشباب الرسامين الذين ظلوا متعلقين بهذا الفن ويشتغلون فيه، برغم النسيان وانحسار الشهرة. ولذلك فهم يستحقون أن يتم الالتفات إلى أوضاعهم كفنانين موهوبين؛ مثلهم مثل شباب الفرق المسرحية التي لا تزال تعمل في شروط صعبة جدا.

وفي الجانب الأدبي، فإن سعيدة كانت هي المدينة التي تنظم ملتقى القصة القصيرة الوطني، والذي مع الوقت تطور نحو أن يصبح دوليا، قبل أن يوقف لأسباب سياسية في الثمانينيات.

فإنه لم يكد يبقى روائي أو قصاص أو شاعر جزائري واحد من المكرسين لم تعرفه سعيدة أو استمعت له. ذلك يدل على أنها مدينة كانت ولا تزال خزانا للذكاء والموهبة وللثراء الفني والثقافي.

سيشهد التاريخ يوما أن سعيدة لم تكن هي صدى لأغنية الراي ولا رجع الصدى لذاتها؛ لأنها ستكون تلك المدينة التي انبنت في الذاكرة الجماعية بمهارة أبنائها وكفاءة مثقفيها، بصفتها المدينة السعيدة حقا.

فهي بأيدي بناتها وأبنائها وبذكائهم ستعود إلى سكة مصيرها إن استطاعوا إيقاف التدهور المرعب الذي يتهدد القليل مما تبقى من الفضاء البيئي الحيوي، وإبداع طرائق وتصورات لتسييرها من أجل بناء مستقبل يضمن لأجيالها اللاحقة الحياة السليمة والكرامة.

فتاريخ المدن كلها هو تاريخ النخب. تاريخ التصورات الطلائعية. وهو تاريخ التسيير في الوقت والمكان الحقيقيين، والاتصال، والتقارب من أجل القضية المشتركة الواحدة: بناء الحلم الجماعي.

sayahhabib@yahoo.fr

» تاريخ مدينة سعيدة.
» مدينة العقبان. سعيدة الجزائرية.
» سعيدة
» سعيدة
» سعيدة/ أمل مروانة